….. / الكاتب: د. سلمان ع الحبيب
الكبت كلمةٌ كثيراً ما نجدها في قواميس أحاديثنا اليومية ولكنّا قد لا نعيرها أهمية كبيرة وبهذا تكون مجرّد كلمة عابرة في حياتنا مع أنها قنبلة موقوتة تنتظر لحظة الانفجار بعد تراكمات من الضغط النفسي والقهر المتواصل ليكون الموقف الأخير بمثابة القشة التي قصمتْ ظهر البعير أو ليكون ذلك الموقف ضربة الفأس الأخيرة التي أسقطت الشجرة بعد سلسلة متتالية من الضربات .
فما هو الكبت ؟!
الكبت : هو عبارة عن حيلة دفاعية لا شعورية يلجأ إليها الإنسان حينما لا يستطيع أن يعبّر عن أفكاره أو مشاعره أو حينما لا يستطيع أن يتصرّف بسلوك معيّن يرتضيه ، وهو إما أن يكون ناتجاً عن سلطة المجتمع أو سلطة الدين أو سلطة الأسرة أو سلطة السياسة والقانون أو سلطة الجماعة المرجعية للفرد أو سلطة فرد ديكتاتوري : كأن يكون هذا الديكتاتور رئيساً في العمل أو محاوراً أو زميلاً أو شخصاً يدّعي القيادية أو نحو ذلك .
ونستطيع أن نقسِّم الكبت إلى قسمين رئيسين هما :
1 – الكبت المادي : وهو الذي يتعلّق بكل الأمور المادية كالمال والجنس والاحتياجات الشخصية …إلخ .
2 – الكبت المعنوي : وهو عبارة عن الأفكار والمشاعر التي لا يستطيع الفرد البوح بها لوجود سلطة تهدّد وجودها على أرض الواقع .
ومن مظاهر الكبت ما يلي :
1 – التوتر العصبي والقلق النفسي : وهما نتيجة طبيعية لتراكمات (الكبت ) الذي يمثّل ضغطاً نفسياً وعبئاً كبيراً فوق طاقة الفرد ،وبالتالي فإنهما يصبحان مخرج الطوارئ غير المناسب للإنسان المكبوت الذي يصبح عندها كالمستجير من الرمضاء بالنار .
2 – المشكلات الجسدية : وهي ناتجة عن التوتّر العصبي والقلق الذي يتسبّب الكبت في إبرازها بأشكال مختلفة مثل القولون العصبي والمشكلات الهضمية والأرق وآلام الظهر وضغط الدم والذبحة الصدرية والمشكلات الجلدية واضطراب الذاكرة والأزمة الربوية وتساقط الشعر واضطرابات الدورة الشهرية والتهاب المفاصل .
3 – الخجل والخوف : فبعض الأفراد حينما يكبتون أفكارهم ومشاعرهم ولا يستطيعون أداء بعض ما يحبون من ممارسات وأعمال فإنهم ينغلقون على أنفسهم ويلبسون ستائر تحجبهم عن الآخرين لأنهم لا يشعرون بالثقة بالنفس ويهابون ردود الأفعال غير المرغوبة كما يشعرون بالتردّد والقلق .
4 – التمرّد : هنالك بعض الأفراد لا يدسّون رؤوسهم حينما يتعرّضون لقمع أفكارهم ومشاعرهم واحتياجاتهم المادية بل يبالغون في ردود أفعالهم فتراهم يتمرّدون ويتصرّفون باستهتار ورغبة في تدمير الآخر، ومن أشكال التمرّد ما تقوم به المرأة أحياناً حينما تواجه السلطة الذكورية القمعية في محاولة لإثبات الذات .
5 – الخلافات الشخصية : تكثر الخصومات والمشاحنات والمشاجرات والتفكّك والعداوة والبغضاء والحسد حينما يشعر الفرد بوجود آخر يكبت أفكاره ومشاعره واحتياجاته المادية ؛ لذا لا نعجب حينما نجد من شخص ٍ ما انفجارات أشبه بالحمم البركانية في محيط العمل أو الأسرة أو المجتمع لتكون ساعة الصفر التي حانتْ بعد تراكمات من القهر المتواصل .
6 – الانحرافات والجرائم الخلقية : كثيراً ما نجد السرقات والكذب ومظاهر استهتار الشباب من قيادة متهوّرة أو تفحيط أو محاولة لجذب اهتمام الآخرين أو تدمير وتخريب أو إدمان على المخدّرات والكحول و نحو ذلك من الانحرافات التي يكون الكبت سبباً رئيساً في إبرازها إلى حيّز الوجود .
7 – الفوضى الجنسية : المجتمعات المنغلقة والتي تجعل المرأة كائناً غريباً عنها تبرز مشاكل كثيرة منها الاغتصاب واللواط أو الجنسية المثلية والاضطرابات الجنسية المختلفة ومنها سرعة القذف لدى الشباب في ليلة الدخلة والخوف من الجنس النسائي وعدم القدرة على التعامل معه ومن جانب آخر فإن تأخير سن الزواج بالإضافة إلى غلاء المهور وتكاليف الزواج الباهظة أدت إلى فساد جنسي وظهور جرائم الشرف . إذاً فتلك الأسباب التي أدت إلى الكبت الجنسي انفجرت بجرائم وانحرافات جنسية بالإضافة إلى اضطرابات نفسية منها الخوف والقلق والاكتئاب .
8 – الإرهاب : لا نشك في أن الثقافة الدينية المغلوطة والمشبّعة بنبذ الآخر وقتاله للظفر بالحور العين في الجنة، هي سبب رئيس من أسباب الإرهاب ولكننا يجب ألا نغفل عن سبب لا يقل أهمية عن سابقه وهو الكبت بشقيه السياسي والاقتصادي مما يؤدي إلى ثورة أشبه بثورة البروليتاريا . وهذه الثورة لا تفرّق بين دين ودين آخر أو بين ديني وغير ديني أو بين مثقّف وجاهل فكل من يجمعهم القهر والشعور بالكبت والاستعباد فمن المتوقَّع له أن يثور ثورة انتقامية سواءً كانت الثورة منظّمة أو غير منظّمة فهو ثأر لكرامته التي ينزع من خلالها عباءة العبودية ولا يهمّه إن تخبّط في سبيل تحقيقها أم لا، فهو بذلك كعذراء ( لورين ) التي ثأرت دون أن تحمل خطة حربية أو تعرف معنى الخطة والتنظيم ولكنّها ظفرت بالنصر الذي حقّق لها مكاسب معنوية إلا أنها أصبحت بعد تحقيق هذا النصر ضحية لقمع ذكوري آخر أدّى في نهاية المطاف إلى حرقها رمياً بالزندقة .
ومن خلال هذا الاستعراض السريع نقول : إنّ الكبت قنبلة موقوتة، فاحذر أن تكون سبباً فيها.