/….بقلم د. عماد بوظو
عند شعوب الشرق هناك ثلاثة مواضيع محرمة يفضل عدم التطرق لها، وهي الدين والجنس والسياسة. اليوم، ورغم تطور وسائل التواصل ونقل المعلومات، فإن التطرق لهذه المواضيع ما زال يتطلب الحذر والدقة في انتقاء طريقة عرض الأفكار، لأن الخروج عن الخط العام المرسوم منذ قرون طويلة تقابله بكل سهولة اتهامات جاهزة. أول هذه الاتهامات الكفر، وليس آخرها التآمر على الأمة. وسيكون الموضوع أكثر صعوبة إذا تم التعرض لموضوعين من المحرمات كالدين والجنس في نفس الوقت.
بفضل الغريزة الجنسية الموجودة عند الإنسان والحيوانات العليا تستمر الحياة ويحافظ كل نوع من هذه الكائنات على بقائه. خلال تاريخ البشرية حاولت الشرائع الدينية والدنيوية تنظيم الحياة الجنسية للإنسان بحيث تحافظ على صحة واستقرار الفرد والمجتمع. واعتمدت الإنسانية الزواج كطريقة مثلى لتنظيم العلاقات الجنسية ووضعت قوانين وأعراف وضوابط لترتيب مؤسسة الزواج، ووضعت عقوبات على العلاقات الجنسية خارجها.
اعتمدت الديانات السماوية الطريقة عينها، حيث كانت الوصية السابعة من الوصايا العشر “لا تزني”، كما دعت كل الديانات للفضيلة ومكارم الأخلاق. وحتى العلاقات القلبية والعينية كتبادل الحب العذري والنظرات بين الجنسين، اعتبرتها الديانات السماوية ممارسات غير مرغوبة. وكان الرأي الغالب أن مجرد التفكير بالجنس يساوي فعله، “ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن” (الأنعام: 151).
نظرت الديانات السماوية، بالإجمال، للجنس باعتباره الخطيئة التي جعلت الإنسان ينزل من الجنة، حين أكل آدم وحواء من الثمرة المحرمة التي حذرهم الله منها “فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى” (طه: 117)، “وعصى آدم ربه فغوى” (طه: 121). عندما أكلا من الثمرة المحرمة اكتشفا سوآتهما أي أعضاءهما الجنسية.
ونتيجة لمخالفتهما كلام الله واكتشافهما للفروق الجنسية بينهما تمت معاقبتهما بالنزول إلى الأرض، لأنه لا جنس في الجنة كما يفهم من هذه الآية. وعلى ذلك، فإن الحور العين المذكور وجودهم بالجنة، سواء كن نساء ناصعات البياض وخارقات الجمال كما يقول أغلب المفسرين الإسلاميين، أو إذا كن “العنب الأبيض كاللؤلؤ المكنون المشابه للحجارة الصافية البراقة في نبع الماء” كما يقول الباحث الألماني كريستوف لوكسنبرغ بعد رجوعه لنصوص سريانية عن حور عين تعود للقرن الرابع الميلادي؛ ففي الحالتين لا علاقة للحور عين بالجنس لعدم وجوده بالجنة أساسا. وحتى في وصف “حور مقصورات في الخيام (الرحمن: 72) “لم يطمثهن إنس ولا جان” (الرحمن: 74)، أي لم يعرفن الجنس. ولا نجد في القرآن أي إشارة إلى أن براءتهن هذه ستتغير لأنه بفقدانها يفقدن الجنة.
كل الديانات السماوية تجمع على أن الجنة هي المكان الذي سيعيش فيه المؤمنون براحة وصفاء داخلي وسكينة وسعادة أبدية سببها قربهم من الله، وكما ذكر القرآن فالجنة التي كان فيها آدم “إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ولا تظمأ فيها ولا تضحى” (طه: 118 ـ 199)، بما ينسجم مع ما يعتقده الكثير من علماء اللاهوت في كل الديانات أن من يدخل الجنة هي الأرواح والملائكة وليس الأجسام المادية.
في القرن الثالث الهجري، ظهرت في كتب الحديث مفاهيم مختلفة جذريا عما سبقها، فبدل الدعوة للاعتدال والفضيلة والعفة في العلاقات الجنسية، ظهرت أحاديث تدور حول الافتخار بالفحولة وتعدد العلاقات الجنسية، في سابقة لم تعرفها الأدبيات الدينية والدنيوية قبل ذلك وبشكل لا يتماشى مع القرآن نفسه. كما استخدمت في بعض هذه الكتب مفردات وأوصاف جنسية سوقية لا تليق بكتب السيرة، ودخلت هذه الأحاديث إلى الحياة الخاصة للرسول مع أزواجه، حيث قالت إن الرسول كان يمارس الجنس مع جميع زوجاته في ليلة واحدة.
ففي صحيح البخاري “حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا ابن أبي عدي ويحيى بن سعيد عن شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال ذكرته لعائشة فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا”، وفي صحيح البخاري أيضا “حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قال قلت لأنس أو كان يطيقه؟، قال كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين وقال سعيد عن قتادة إن أنس حدثهم تسع نسوة”. إذا حسب هذه الأحاديث فإن الرسول لم يكن يقضي ليله بالصلاة وقيام الليل بل بالطواف على نسائه.
ومن الأمثلة على هذا النوع من الأحاديث ما قالوه حول زواج الرسول بعائشة وهي في سن السادسة من العمر ودخوله بها وهي في التاسعة. لم يكتفوا بالتسليم بهذا الأمر كحقيقة، رغم غرابته من الناحية الفيزيولوجية، مع أنه من المفروض بما أنه منقول شفاهيا من جيل إلى جيل وغير موثق بأي طريقة علمية، أن يكون هناك حذر في قبوله كأمر مفروغ منه. على عكس ذلك، جعله البعض سنة نبوية، بما يعني أنه يفضل الاقتداء به، وتابع قسم منهم وافترض أنه عندما كانت السيدة عائشة بين سن السادسة والتاسعة وباعتبارها كانت متزوجة من الرسول فلا بد من وجود مداعبات بينهما؛ وسرح خيالهم بعد ذلك في وصف مجال المداعبات الجنسية المسموح به “شرعيا” مع الطفلات وحتى مع الرضيعات، بطريقة لا تدل إلا على خيال مريض لأشخاص تعتبر قوانين العصر الحالي أن مكانهم الطبيعي هو المستشفيات العقلية أو السجون.
نظرت الديانات السماوية، بالإجمال، للجنس باعتباره الخطيئة التي جعلت الإنسان ينزل من الجنة
هؤلاء أنفسهم عندما وصلوا إلى موضوع الجنة أبدع خيالهم الجنسي. فاستبدلوا السماء التي تجد فيها الروح سكينتها وسعادتها لوجودها بحضرة الله، إلى مكان بمواصفات ومغريات أرضية بحتة وبعيدة تماما عن كل ما هو سماوي. ووجدت مجموعة من الأحاديث التي تدور مع هذا النوع من التفكير طريقها لكتب السيرة، ففي حديث لأبي هريرة رواه البخاري “لكل أمرئ زوجتان من الحور العين يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم”، ربما من شدة بياضها ونقاء بشرتها! كما روى مسلم في صحيحه “يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتمخطون ولا يتغوطون ولا يبولون، ويكون طعامهم ذلك جشاء ورشحا كرشح المسك”. وعن أنس عن النبي قال: “يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع، قيل يا رسول الله أو يطيق ذلك؟، قال يعطى قوة مائة، رواه الترمذي وصححه ابن حبان. وعن معاذ ابن جبل أن النبي قال: “يدخل أهل الجنة جردا مردا مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة” رواه الترمذي. عن زيد بن أرقم أن رسول الله قال: “إن الرجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع” رواه أحمد والدارمي. وعن أبو موسى الأشعري قال رسول الله: “للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن وجنتان من فضة ووجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما”. وعن أنس بن مالك أن رسول الله قال: “إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا” رواه مسلم.
ثم تابع بعضهم في خياله الذي يدور دائما حول الجنس، فيقول أبو حجر العسقلاني: “فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبو هريرة مرفوعا ـ في صفة أدنى أهل الجنة منزلة: وإن له من الحور العين إثنين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا”. ومن حديث أبي سعيد “إن أدنى أهل الجنة الذي لديه ثمانين ألف خادم وإثنين وسبعين زوجة”، وفي حديث لعبد الله ابن أبي أوفى “أن الرجل من أهل الجنة يزوج خمسمائة حوراء أو أنه ليفضي إلى أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب”. وقد اتفق أغلب رجال الدين فيما بعد على أن للمؤمن في الجنة زوجتان من نساء الدنيا وسبعون من الحور العين، هذا هو الحد الأدنى ولا حد للأكثر! وروى الترمذي عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال رسول الله “إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة
أما رجال الدين هذه الأيام فقد كانوا أكثر كرما من كل من سبقهم، حيث جعلوا لكل حورية من الحوريات السبعين، سبعين وصيفة وللزوجات من نساء الدنيا سبعين وصيفة وكلهم حلال للمؤمن في الجنة، كما قال بعض رجال الدين هؤلاء إن فترة العملية الجنسية في الجنة سبعين سنة! وما إن تنتهي حتى تناديك حورية أجمل من التي كانت معك فتتركها وتذهب للجديدة وهكذا في جنس متواصل إلى أبد الآبدين.
رغم الخيال البشري الواضح في تصور الجنة ورغم أننا لا نعرف لماذا يوجد في الجنة خيم وأسواق وخدم ومسك وجنس، فقد رفضت كل المراكز الإسلامية الحالية التشكيك في صحة هذه الأحاديث واعتبرت الدعوة لتنقية كتب التراث مما دخلها في عصور الانحطاط الثقافي والفكري تهجما على الدين نفسه. بل إنهم يضعون أمثال هذه الكتب بدرجة من التقديس لا تقل عن القرآن نفسه، وربما لا يعرفون إنهم بدفاعهم وتمسكهم بكل ما تحويه هذه الكتب فإنهم قبل كل شيء يسيئون للإسلام نفسه.