…. / الكاتبة : رشا عمران
هل سنواجه أعداءنا دائماً بالاتكال على الغيبيات، وهل نعتقد أننا سننتصر؟ سؤال لا بد من طرحه الآن بعد هذا الكم من الإسفاف العربي الإسلاموي الذي تجلى إثر الحرائق الهائلة التي حدثت في أرض فلسيطن المحتلة، إذ أصر مسلمون كثيرون على امتداد الأمة، وحتى في فلسطين، حيث قلب الحدث، على أن سبب الحرائق غضب الله تعالى على الإسرائيليين إثر قرارهم، أخيراً، منع رفع الآذان في المسجد الأقصى في القدس المحتلة، إذ امتلأت صفحات التواصل الإجتماعي والفضائيات العربية بالابتهالات والشكر إلى الله تعالى، لأنه انتقم من اليهود الكفرة، بإرساله الحرائق لتكون لهم عبرة أبدية.
لا يخجل أصحاب هذا الإعتقاد، وهم أكثر مما يتخيل أحد، من سذاجة طرحهم هذا، ولا من عطالة دماغهم الذي لا يبدو أنه يستخدم في مكانه الصحيح، أو كما أراد خالقه أن يستخدم، ولم يعد من الممكن تبرير الأمر بأن للناس معتقداتٌ يجب احترامها وتقديرها، فالأمر صار مؤشّراً واضحاً على حالة الانحطاط العقلي والإنساني التي وصلنا إليها، فالحرائق المشتعلة لم تطل الإسرائيليين فقط، ما يمكنه أن يبرّر حالة الفرح والشماتة التي عمّت بلاد المسلمين، ابتهاجا بالحرائق، إذ يعيش في الأرض المحتلة ملايين الفلسطينين، المجنسين بالجنسية الإسرائيلية أو الحاملين جوازات السلطة الفلسطينية. لدى هؤلاء بيوتهم التي طالت الحرائق بعضها، ولديهم أراضيهم التي احترقت عن بكرة أبيها، ولديهم ذاكرةٌ عن جبالٍ وسهولٍ وأشجارٍ، هي ملك لهم ولأجدادهم، وكانت لتبقى لأولادهم ولأحفادهم. هي ليست للإسرائيلي المحتل، ولا لأجداده. هي جزء من الوجدان الوطني الفلسطيني، على أن العقل العربي، المعطل منذ زمن، لم يعد يعنيه من القضية سوى شعاراتها، وما يتعلق منها بالدين، فبعد أن تحوّلت قضية فلسطين كلها إلى المسجد الأقصى، قبل سنوات عديدة، عاد التحول ليصبح محصوراً في رفع الآذان!
ولتختصر القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي أرضاً عربية، وكل ما قام به من مجازر، بالأذان الذي يمكن لأيٍّ كان أن يرفعه من بيته، كما فعل عديدون إثر القرار، في فعل تحدٍّ ومقاومة بالغ الأهمية. وعلى الرغم من الاستفزاز الديني المهول في القرار الإسرائيلي منع الآذان ومقادير العنصرية فيه، إلا أن رد فعل بعض المسلمين على الحرائق لم يكن، بأي حال، أفضل أو أكثر اتزانا، بل ربما نستطيع القول إنه يقع تماما في الدائرة التي أريد للعرب والمسلمين أن يوضعوا فيها منذ تأسيس الكيان الصهيوني، إبقاء المسلمين العرب في حالة عطالةٍ عقلية، بحيث لا يخرج شيء من حياتهم خارج إطار الدين في شكله الإتكالي.
هذه الدائرة التي كان للحكام والأنظمة العربية دور الحارس على إغلاقها بالكامل على الشعوب، في تواطؤ لم يعد خافياً إلا على من يصرّ على العمى، حيث أسقطت الثورات العربية نظرية المقاومة والممانعة، وظهرت حركات المقاومة والأنظمة الداعمة لها على حقيقتها، مثلما ظهر إثر ما أريد له أن يكون لشعوبنا بعد سبعين عاماً من الإحتلال الإسرائيلي، وهيمنة أنظمة الاستبداد وعصابات المافيا على الدول العربية، هل يختلف القول إن الحرائق هي انتقامٌ من الله تعالى على منع الأذان عن قول الداعية، عبدالله المحيسني، إن ما يحدث للسوريين هو بسبب كفرهم بالله؟ وهل يختلف ما سبق عن نظرية أن اليهود هم شعب الله المختار، أو عن انتظار الملايين المهدي؟! أسئلة كثيرة لا يبدو أنها تعني أصحاب العقل العاجز والفعل المعطل، المصرّون على تفسير كل ما يحدث حولهم من زاويةٍ ضيقةٍ تضمن قبولهم بكل ما يحدث بوصفه أمر الله تعالى، حيث يجب التسليم بذلك، والرضوخ والقبول، من دون الحاجة لأي فعل مقاوم، حتى إذا جاءت المقاومة الحقّة، سوف يستنفر العالم كله للقضاء عليها، وإعادة أصحابها أو من يخلفهم إلى الدائرة الضيقة التي يبدو أن لا أمل لشعوبنا وبلادنا بالخلاص منها، إلا بثوراتٍ متواصلة، تسترجع ما حصل في تاريخ العالم، في الثورة الفرنسية خصوصا
….. / عن موقع “العربي الجديد” .