…. / الكاتب : سمير صادق
تمثل الحالة السورية وضعًا سلطويا يمكن وصفه بارعاب وارهاب الدولة, فعمليات النظام القمعي كانت لها دلالات واضحة , إرهاب الدولة للمجتمع بشكل عام كان علامة من علامات نفي الدولة لا علامة وجود الدولة , لم يتح للشعب السوري المشاركة في بناء السلطة ومؤسسات الجيش والحكومة ,لقد عاش في الواقع تحت هيمنة كيان باسم مستعار, كيان له عسكر ومرتزقة ومنافقين وزبانية ومطبلين, وهذه كانت أصلا مكونات السلطة الطاغية حسب حنه آرند, فجوهر السلطة الطاغية ومكونها الأساسي هو الارعاب عن طريق الارهاب , الرعب كفيل بجعل العلاقة بين الشعب وما تسمى الدولة محكومةً بالحذر والخوف الدائمين, تتصحر الممارسة السياسية على هذه الأرضية في سلطة الرعب , وهذا يعني سلطة ماقبل الدولة في كيان ماقبل الدولة .
تشير نماذج العنف التي مارسها النظام الى تجاوزات خطيرة على المستوى الداخلي والخارجي , هنا استذكر شبيها لمنظومة ماقبل الدولة , هناك شبه كبير بالبنية التي اشتهرت بها فرقة الحشاشين الإسماعيلية التابعة (لشيخ الجبل), خاصة بأساليبها في إرهاب الخصوم, ففي الحالة السورية ,لدينا الكتائب ذات الأسماء الرنانة (سرايا الدفاع), ذات اللون الطائفي الواحد, والتي لاتخضع الى المساءلة عن جرائمها التي نفذتها لمصلحة (المعلم) …كإعدام المئات في حلب وجسر الشغور ومجازر تدمر وخاصة حماه التي نتذكرها في هذا اليوم من عام ١٩٨٢ , هذه الكتائب وغيرها من الفرق بأسماء مختلفة خضعت للسيد القائد الأعلى فقط ,الذي تدين له بالولاء الأعمى والطاعة المطلقة, لقد كانت القيادات الصغرى قريبة بالدم من القيادة الأسدية وبالتالي كانت سلطتها أقوى في مجتمع ابوي عشائري قبائلي,لا علاقة لسلطة هذه القيادات بمرتبتها الميدانية , فالعريف ابن عم القائد يرغم اللواء من قاع الشعب على السجود أمامه, الإعلام الذي ينتج البروتوكول الخاص في معاداة الإمبريالية على النحو الذي يراه (المعلم) , يصدر توجيهات يومية بشأن نوع الأخبار يجب أن تذاع , والتي ترتكز بمجملها على السيد الرئيس وأفعاله الوطنية المجيدة كاخماد الفتنة المنكرة في حماه عن طريق اخماد حياة عشرات الألوف من الحمويين .
لا يقتصر استخدام العنف القمعي على الداخل , فالخارج كان مهددا أيضا , رعب الداخل تمدد في العديد من المناسبات الى الخارج , هاهو الارهاب يقتل الحريري ومرافقيه, الارهاب السلطوي المتمدد الى الخارج حاول اغتيال رئيس وزراء الأردن السابق مضر بدران, انتقاما للمعلم أو كما قالت صحيفة سورية آنذاك : “إنه أمر مشروع لإعادة الأردن إلى طليعة الأمة العربية “, فالرؤية البعثية التي وصفت العرب بأنهم شعب واحد في دول متعددة , تحولت في الماضي الى مركز لادارة شؤون الوطنية في البلاد العربية … وزعت شهادات حسن السلوك والرضى وخونت باسم جماهير شعبنا العربي العظيم مستندة بذلك إلى شرعية عصابية جعلها بنظر نفسها رمزاً يتيح لها تنظيم القواعد والأحكام وتصنيف الأبطال والخونة , ثم تعريف الصالح والضار , فالبعث اعتبر نفسه الوصي الشرعي على العروبة , لقد انتهى البعث منتحرا , بعد أن ابدع في ممارسة النحر ومسالخ الذبح والقتل التي كانت حماه قبل ٣٥ عااما من أكبر مسالخها .
تفكيك البنية السلطويّة التي أقامتها الأسدية في سورية ,يكشف العديد من معالم هذه السلطة ,مثلا استثمار الآلة العسكرية بكل الأشكال التي تعرفها الوحشية , الأسدية تحتكر هذه الآلة والشعب يمولها قسرا , استخدام الآلة الممولة من قبل الشعب كان حصرا بالحرب على الشعب , وفق نمازج العصابة أي الحرب الغير متناظرة, لم يتم تدمير جزء من حماه فقط , لقد دمرت العصابة الآن كل سوريا , والتدمير بدأ قبل حماه , مجمل البلاد خضع الى سياسية الأرض المحروقة , وما لم يتم حرقه , تم تدميره بوسائل أخرى مثل استعمال التناقضات لخلق قوى متوازية, تستخدم في وجه من يتهمها بأنها أقلية تتحكم بالأكثرية, النظر بشيئ من العمق الى الأسدية يجد بأنها استخدمت العصبية “العلوية” المقرونة مع الترويج للدولة الحديثة بمقولة إن دولة الأسد هي مركز الاشعاع العلماني في الشرق الأوسط , اضافة الى ذلك حاولت الأسدية تفكيك الأكثرية ونجحت في ذلك تحت شعار العروبة والاسلام ثم توطيد العلاقة مع التجار السنة والسماح لهم بالتهام قسم من الكعكة, وبذلك انكسرت مقاومة المدن , لقد تم تتويج كل ذلك بالعامل الديموغرافي , حيث ترك المزارعون عملهم في الحقول وتحولوا الى موظفين في المدن “كتنفيعة”,مع كل ما تتضمنه الوظيفة من دخل اضافي عن طريق الفساد , الذي ترتكز ممارسة أشكاله الوقحة والغير مبالية على ما تسمى “حماية الظهر”, من له “ظهر” يسرق كما يريد لأنه فوق القانون .
أخجل من التذكير بحماه فقط , ففي سوريا لم تعد الذاكرة قادرة على احتواء ذلك العدد من المجازر الذي تزايد في السنين الأخيرة بشكل استعصى على الفهم وحتى على التصور , لاوجود ليوم في السنة لايمكن به التذكير بمجزرة , المجزرة الأصغر لاتختلف عن المجزرة الأكبر بالنسبة للضحية , وموت الانسان في المجزرة الأكبر ليس أكبر من موته في المجزرة الأصغر .