…./ الكاتب : محمد السلوم
ضجّت البارحة صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لمؤيدي النظام السوري، بخبر قطرات الدم التي رشحت على وجه تمثال القديس مار شربل المنصوب في ضهر صفرا التابعة لمنطقة بانياس في محافظة طرطوس الساحلية، حزناً على سوريا وعلى ضحايا التفجيرات التي ضربت المحافظة ومناطق أخرى في اليوم ذاته.
كان التمثال قد نُصب قبل يومين فقط، وهو غير مكتمل بعد من الناحية الإنشائية، ولكن مار شربل قرر فيما يبدو الدخول مبكراً وبثقل في الاصطفافات السورية.
قبله؛ كانت السيدة مريم العذراء أم النور هي الأخرى قد اجترحت معجزة عظيمة، عندما قامت بقتل أحد الإرهابيين، وأنقذت عشرات الأرواح، عندما حاول أحد الإرهابيين تفجير دير صيدنايا بشمعة يبلغ طولها 1.6م محشوة بال T.N.T. ولم تكتفِ السيدة العذراء حينها بمنع أعواد الثقاب من إشعال الشمعة، بل قتلت الإرهابي بإيقاف قلبه عن الخفقان، وبقيت مسيطرة على الوضع حتى وصلت “المخابرات السورية” التي استلمت عنها زمام الأمور!
لا تكاد تحصى المعجزات والخوارق التي اجترحها قديسون وأنبياء وشخصيات دينية. والأمر لا يقف هنا عند حدود الديانة المسيحية، بل يتجاوزها إلى الدين الإسلامي الذي كان رجاله سباقين في الحديث عن أحلام ورؤى تبشر بالنصر العظيم، وبضرورة انتخاب الرجل الصالح بشار الأسد، والاعتصام برايته بوصفه مخلصاً، وربما مهدياً منتظراً. لا يبدأ ذلك بمحمد سعيد رمضان البوطي ولا ينتهي بأحمد الحسون!
حالة الشحن الديني لا تقتصر على الجانب المعارض كما قد يعتقد البعض، ممثلاً بالقوى الإسلامية السلفية المحاربة على الأرض، ولا بالقوى الشيعية التي جاءت لدعم الأسد، تحت ذريعة حماية المقدسات والدفاع عن آل البيت.
الأمر للمتابع يتجاوز ذلك، فالأوصاف المشحونة بالدلالة الدينية التي يستعملها المؤيدون لا تتوقف عند “رجال الله” في وصف عناصر الجيش، ولا عند “القديس المنقذ والمخلص” في وصف بشار الأسد، ولا عند “القديسة” أنيسة وقبلها “القديسة” ناعسة ولا عند “الأب المؤسس المقدس” في وصف حافظ الأسد الذي يرقد في “مقام” قرب القرداحة!
مفردات التقديس تتكاثر في وسائل إعلام المؤيدين وتكاد تكفي لصنع معجم خاص لمفردات التأييد ذات الدلالة الدينية، ولا نستثني منها بالطبع تلك الفئة المتطرفة التي تسجد للقديس ابن المقدس في الطرقات أو تجبر المعتقلين في أقبية الأمن على الاعتراف به رباً أعلى!
أمام هذه العائلة المتخمة بالقديسين تصبح دماء مار شربل مبررة تماماً، ودموع السيدة العذراء ومحاربتها الإرهاب مقنعة جداً.
لقد أخذ هؤلاء قرارهم بالوقوف إلى جانب “المخلص” ابن “الأب المؤسس”. متجاهلين الخراف المستضعفة التي أمرهم الرب بالوقف إلى جانبها.
فالسيدة العذراء لم يخطر في بالها أن تعطل الصواريخ التي قصفت الطائرات الروسية بها كنيستها الوحيدة في إدلب “كنيسة السيدة العذراء” حيث قتل 17 مواطناً، ولا يبدو أنها تنوي التدخل لإطفاء الفوسفور الذي تُحرق به المدينة يومياً. لعلها مختصة بمنع إشعال الفتيل الذي أصرّ الإرهابي الغبي على استخدامه في قنبلته مستغنياً عن الصواعق وأجهزة التفجير عن بعد التي يستعملها أقرانه من الإرهابيين!
ولا يبدو أن مار شربل يفكر بالبكاء على الأطفال السوريين الذين يعانون الإهمال والاضطهاد والعنصرية في مخيمات لبنان المخجلة. ولعله لا يفكر أيضاً بالبكاء على ضحايا تفجيري طرابلس اللذين اتهم القضاء اللبناني ضابطين من مخابرات القديس ابن المقدس بالوقوف خلفهما.
وكما نجح القديس في حشد جبهة عريضة من الداعمين السياسيين والعسكريين؛ نجح أيضاً في حشد جبهة أعرض من الأنبياء والقديسين والصحابة والتابعين والأولياء الصالحين، يقف في مقدمتهم تمثال السيد المسيح البرونزي، ثاني أكبر تمثال له في العالم، الذي ينتصب بمباركة روسية في بلدة صيدنايا ليطل على لبنان والأردن وفلسطين واقفاً بالمرصاد للمؤامرة الكونية التي تحاول النيل من القديس، ومكرساً القديس والمقدس كمدافعين عن التعدد الديني وحماة للطوائف والأقليات!
ربما قد حسم هؤلاء أمرهم في الوقوف إلى جانب القديس، وربما كانوا يرون فيه مار جرجس وهو يقتل التنين! ولكن عليهم أن يعوا أيضاً أن الخراف الضالة التي يمعن القديس بها قتلاً وتمزيقاً قد تتحول يوماً إلى ذئاب تمزق القديس والمقدس ومقدساتهما، وحينها سيكون هؤلاء في وضع لا يحسدون عليه أبدا !