—1—
شح المطر، فاستنجد الناس برجل صالح مستجاب الدعاء، وانهمر مطر غزير غريب غير مألوف، تمس الرجل قطرة من مائه، فيكبر ما يملكه ولا تملكه الناس، وتمس المرأة قطره من مائه، فيكبر نهداها وردفاها، ففرحت النساء، فالحقيقي ليس كالمزور، والعمليات التجميلية باهظة التكاليف، واحتفل الرجال بهذا التصحيح الذي يجعل من الغصن جذعا، ولكن بعضهم لم يكتف بما حصل عليه مجانا، وطالب بمطر آخر يعلم التهذيب لأهبل يظن ان كبره يعفيه من الوقوف احتراما للنساء.
وطالبت نساء بمطر عاجل يتيح لهن الحبل والانجاب بغير رجال، فيعاني الرجال البطالة، ولا يحظون أينما حلّوا إلا بالطرد والهزء والازدراء، وتنقض النساء على النساء والرجال على الرجال.
—2—
لم يكن فؤاد غير رجل شديد الشبه بالرجال الاخرين، يوشك قلبه ان يتوقف عن الخفقان كلما رأى امرأة جميلة، وقد قال لعائشة المرأة الرشيقة انه يحبها، وقال لصباح المرأة السمراء انه يحبها جدا، وقال لنهلة المرأة الشقراء انه يحبها للغاية، وقال لحنان المرأة الناصعة البياض انه يحبها حتى الموت، وقال لفدوى المرأة المكتنزة انه يحبها الى الابد، فكان رد كل واحدة مختلفا عن الاخرى، ولكنهن اتفقن من دون ان يلتقين على انه ليس بالجندي الباسل المؤهل لانتزاع النصر في معارك حاسمة، فازدرى فؤاد النساء الخمس، ولكنه أيقن ان الفوز بالنساء يتطلب منه ان يضيف الى كلامه معهن جرعة من الجرأة المهذبة، فحملق الى نهدي مريم المرأة الشبيهة بالنار، وقال لها: “أنا أحب تسلق الجبال”.
وحملق الى بطنها، وقال لها: “وأنا أحب النزول الى الأودية”.
فقالت له مريم عابسة الوجه، ساخطة الصوت: “أراك كسولا تكتفي بالكلام وحده من دون أن تتسلق جبالا أو تهبط أودية”.
فاقتنع فؤاد ان النساء قد تبدلن وتشوهن وصرن غير صالحات للفحول من الرجال، وتزوج رئيفة المرأة التي كانت تنقب في اعماق الأرض عن رجل يتزوجها، ولكنها طلبت الطلاق منه بعد اسبوع واحد من زواجهما، فاستغربت صديقاتها ما حدث، وألححن عليها أن تحكي عن سبب محدد، فاكتفت بالابتسام الماكر والقول ان زوجها كان دائم الوقوف أمام المرايا، وانها سمعت رعداً ورأت برقاً، ولم ينهمر أي مطر.
—3—
كانت الزوجة والزوج يتأهبان للنوم في غرفة يسودها ظلام الليل، فقالت الزوجة لزوجها بصوت خفيض: “كل النساء أعرفهن يحببن الليل، وأنا لا أطيق الليل، فهل تستطيع تخمين السبب؟”.
فقال لها على الفور: “لأنك في الليل تفضلين الاستلقاء على بطنك، وأنا أجبرك على الاستلقاء على ظهرك”.
فاستلقت على بطنها، وقالت له بصوت مرتعش: “لماذا لا تحاول اقناعي بمحاسن الليل، فأنا امرأة غير متعصبة تقنعها الآراء المدعومة بالحجج والبراهين؟”.
فابتدأ يحكي لها عن الليل بصوت لاهث متقطع، وكانت الريح الباردة تعصف خارج الغرفة، فازداد التصاق الزوجة بزوجها، ونبهته الى ان حطب المدفأة احترق كله، وتحتاج الى مزيد من الحطب، فلم يسارع الى احضار الحطب المطلوب، وتصرف كأن الرجل حطب والمرأة مدفأة.
—4—
لم يبال الأولاد الثلاثة بشمس الظهيرة المحرقة، وتابعوا اللعب في الزقاق المقفر مثيرين ضوضاء كأنهم عشرون ولداً، فأطل عليهم رأس رجل من نافذة بيت، وصاح بهم بصوت حانق متضجر: “اهدأوا يا عفاريت! دعونا نستريح قليلا”.
فبدا على الاولاد انهم يعرفون الرجل الصلح، ويهابونه، وقال لهم أحدهم: “تأمر أبو سليم تأمر”.
ولم يعاود الأولاد اللعب، واستندوا الى حائط، وتحدثوا ناقمين على مدرستهم، وشتموا معلمهم المسؤول عن رسوبهم في الامتحانات، وقال الولد الاول:”وزير التعليم نفسه صديق لأمي وأبي، ولا يخالف رغبة من رغباتها، وسيجن حين يعلم بما حدث لي، وسيطرد المعلم من المدرسة”.
وقا الولد الثاني:”أختي الكبيرة صديقها مدير الشرطة، ويدللني، وكلما زارنا أرسلني الى السوق لأشتري لنفسي شوكولاته أو كاتوه، وسأخبره أن معلمنا يسب الحكومة أمامنا، وسمين وكسلان، وينام في الصف ويشخر، ويتركنا نلعب”.
وظل الولد الثالث ساكتاً، فحدّق اليه زملاه مترقبين ما سيقوله، وحاول ان يتكلم، ولكنه لم يكن لديه ما يقوله، فأمه لا تعرف غير أبيه، وأخواته لا يعرفن غير أزواجهن، وغمره الارتباك، وأحسن انه رسب ثانية.
—5—
تأخر حسن في الزواج ريثما يجد امرأة بغير تجارب حتى يكون أول رجل في حياتها وآخر رجل، ولم يتزوج الا من وثق بأنها هي التي بحث عنها طوال سنوات، وما ان أصبحا وحدهما في ليلتهما الاولى حتى ساعدته على نزع ثيابه بحركات متعجلة ثم شهقت مدهوشة، وقالت له وهي تحملق اليه: “سبحان الخالق! كنت أظن ان مكان الخنصر هو في اليدين والقدمين، ويبدوأني كنت مخطئة”.
فابتسم حسن بغبطة وزهو، وازداد وثوقه بأن زوجته هي فعلاً البريئة المغمضة العينين التي كان يبحث عنها.
—6—
اعتادت لمى أن تسهو وتضع في فمها كل ما تمسك به يدها، فنصحتها أمها بصوت غاضب مؤنب بنبذ هذه العادة السيئة خاصة وانها مخطوبة وتوشك ان تتزوج، ولكن لمى اكتشفت بعد الزواج أن أمها ساذجة ونصيحتها مخطئة، فما اعتادت فعله وهي ساهية رائج ومطلوب ومستحسن.
—7—
كانت سامية لا تعلم ان مصطفى زوجها لا يطيقها وتزوجها لارضاء امه، ويعتبر النوم معها في سرير واحد مهمة انتحارية تستحق ان يحتفل كل صباح بنجاته من قتل بشع، ففسرت ابتعاده عنها طوال أسابيع بأنه راجع الى انه رجل خجل، وقررت مساعدته على الخلاص من خجله، وابتدأت مساعدتها وهما جالسان على اريكتين متقابلتين، فأغمضت عينيها ظانة أن ما تفعله اغراء لا يستطيع أي رجل مقاومته، فبدت لمصطفى كالميتة، وأوشك أن ينهض ويتلفن لطبيب، ولكن سامية بادرت الى فتح عينيها بتثاقل، ونظرت اليه اعتقدت انها ملأى بالرغبات المتأججة التي تجعل الرجل يجن ويحترق، فبوغت مصطفى بنظرتها، وفسرها بأنها تهم بلطمه او ركله، واستعد للدفاع عن نفسه.
وكشفت سامية ثوبها عن ركبتيها بحركة متعمدة متوقعة أن يتخلى مصطفى عن خجله ويزحف نحوها مستجدياً، ولمست لحمها بأصابع سكرانة، ولكن أصابعها بدت لمصطفى تتحرك محاولة تقليد مشية السرطان او العقرب، وسألها بقلق ما اذا كان في البيت قمل أو بق أونمل فتجاهلت سؤاله، ونهضت واقفة، وتأففت بصوت عال من الحر الشديد وهمّت بخلع ثيابها، فبادر مصطفى الى تشغيل كل ما في البيت من مراوح كهربائية، ولكن سامية لم تشعر بأية برودة، وخلعت ثيابها، فتجاهل مصطفى عريها، وحملق الى ثيابها بفضول، ففرحت سامية وغضبت، وسألته عما يفعل، فأجاب انه يحاول تخمين سعر كل قطعة من ثيابها، ويأمل ألا يخفق