…. / الكاتب : أنور يونان
1 –
شاهدهم الأديب اللبناني الراحل سعيد تقي الدين، عميد الثقافة الأسبق في الحزب السوري القومي الاجتماعي، يزحفون على بطونهم نحو أبواب القصر الجمهوري في لبنان، فنحت لهم، من ذل الزحف ومن شره البطون، هذه الصورة المعبرة “زحفطون”. سمّى بها الزاحف على بطنه تزلفا ونفاقا للحاكم.
مرّ أكثر من نصف قرن على رحيل الكاتب المبدع. نسي القوم، أو كادوا، ذلك الأديب الجميل وسخريته اللاذعة وهو يصف “رجرجة” مؤخرة الزحفطون في المناسبات “الوطنية”، وما أكثرها!.. ونسوا كلمة زحفطون.
رغم هذا فقد تناسل هذا “النوع” من البشر ، كما تتناسل الأرانب، بوتيرة سريعة لم تعرفها فصيلة أخرى من الكائنات… و”أعمر” القارة العربية من خليجها إلى محيطها.
2 –
لنعترف، وقد انحنت أعناقنا أمام أجهزة القمع العربية وسادتها، أن هذه الأجهزة نجحت، نجاحا باهرا، في استنساخ الزحفطون، وأن التحول إلى جنس الزحفطون هذا لم يكن عسيرا على كثير من المواطنين “المغلوبين على أمرهم”.
حين لا يكون أمامك من خيار سوى أن تجوع ويجوع أطفالك، أو أن تتحول إلى زحفطون. فليس من الصعب أن تدوس على عنفوانك وكرامتك وتختار “أهون الشرين”.
وفي “سوريا الأسد” التي لا يمكن فيها لذبابة أن تتزوج إلا بعد الحصول على ثلاث موافقات أمنية، يكون الحديث عن الكرامة والعنفوان أقرب إلى المزاح الثقيل في نظر صديق لك، وأقرب إلى المزاح السفيه في نظر زحفطون يطعم أولاده بهز قفاه تزلفا لنظام خسيس.
3 –
كذلك لم يكن عسيرا، على أنظمة الاستبداد العربية، استنساخ هذا النوع من “البشر” في مؤسساتها الإعلامية.
كي تستمر هذه الأنظمة متربعة على عروشها فإن عليها أن تكذب لتخفي الحقائق عن شعوبها. وكما فعل هتلر وستالين؛ أسست وزارات للإعلام مهمتها غسل مخ المواطن. واخترعت، بالترغيب والترهيب، شخصيات “وهمية” لـ: قومي وعروبي ووطني وتقدمي واشتراكي.. الخ. قنـّعت بها وجه الزحفطون؛ لتتصدى للـ “مؤامرة” الصهيونية، الاميركية، الامبريالية .. وتحول أنظار المواطن عما تقوم به مافياتها من سرقة لقوت المواطن وخيرات الوطن .. وكرامة الأمة وعنفوانها.
4 –
إن كنا نفهم أن هشاشة “المواطنين المغلوبين على أمرهم”، وأسباب تحولهم إلى جنس الزحفطون.
وإن كنا نفهم خسّة أنظمة الاستبداد حين تحول جرائمها إلى “منجزات وطنية” على لسان “زحفطون” مثقف، إعلامي أو كاتب أو فنان.
فكيف يمكن أن نفهم تحول رجل دين ورع يدعو إلى المحبة والرحمة والعدل، إلى زحفطون “يبارك” جرائم هذا النظام القاتل !؟
5 –
لم يتوقف نسل الزحفطون عن إنجاب هؤلاء الأذلاء؛ من مواطن مغلوب على أمره، إلى “مثقف” منافق، إلى لص شريك للعصابة الحاكمة.
أنجب، أيضا ، قبل نصف قرن في سوريا نظاما حاكما فاسدا زحفطونيا على عتبات الباب العالي الأمريكي والإسرائيلي. مهمته إذلال الشعب السوري وقمعه بالحذاء والبسطار وسرقة خيرات عمله وأرضه، ليبقى هذا الشعب فقيرا متخلفا عاجزا عن الفعل المبدع الذي يبني وطن الحقوق والواجبات.
إن كانت الأمور بخواتيمها. ها نحن نشهد اليوم خواتيم نصف قرن من حكم عصابة زحفطونية بائسة فاسدة ومفسدة، أتمت مهمتها بتدمير سوريا وقتل وتشريد أكثر من نصف أهلها، لتستمر في الحكم على عروش من جثث ضحاياها.
6 –
لا يبقى سوى أن نسأل:
إلى متى ستبقى قدم الطاغية الزحفطون تسحق الرؤوس والعقول، وتدوس على ما تبقى من كرامة شعب ؟
إلى متى!؟