……/ الكاتب : د. علاء الأسواني
بطل هذه الحادثة رجل مسلم ذو ملامح عربية .
ذ ات ليلة أقيم حفل موسيقي كبير في هولندا وامتلأت القاعة بالحاضرين الذين اشتروا التذاكر وجاءوا لكي يستمتعوا بالموسيقى ثم حضرت ملكة هولندا وجلست مع حاشيتها في المقصورة وبينما العازفون يستعدون لبدء العرض تحرك هذا الرجل المسلم فجأة وانتزع الميكروفون وراح يرتل آيات من القرآن باللغة الهولندية ثم دعا ملكة هولندا لاعتناق الإسلام فورا.
ساد الارتباك والاستياء في القاعة.. لم ينجح الرجل المسلم بالطبع في اقناع ملكة هولندا بالدخول في الإسلام لكنه نجح فقط في إفساد العرض الموسيقي فقد انسحب العازفون بآلاتهم الموسيقية احتجاجا على تصرفه الغريب واضطر منظمو الحفل إلى انتزاع الميكرفون منه وإخراجه من القاعة.
في واقعة أخرى رحبت وزيرة الهجرة في حكومة النرويج بشاب مسلم (نرويجي من أصل باكستاني) ومدت يدها لتصافحه فأعطاها باقة زهور، فشكرته عليها ومدت يدها مرة أخرى لتصافحه، لكنه رفض مصافحتها لأن مصافحة النساء حرام شرعا في رأيه.
الواقعة الثالثة حدثت منذ أيام عندما ألقى شيخ سعودي درسا على المصلين أعلن فيه أن النساء لا يجوز لهن شرعا قيادة السيارات لأن الله خلقهن ناقصات عقل ودين، ثم أكد فضيلته أن المرأة مخلوقة أساسا بنصف عقل الرجل وعندما تكبر في السن لا يتبقى لها إلا ربع عقل يستحيل أن يمكنها من قيادة السيارات. في واقعة رابعة أكدت أستاذة مصرية للفقه بأنه يجوز للفتاة المسلمة ترقيع غشاء البكارة حتى تقنع زوجها بأنها عذراء.
هذه مجرد أمثلة لتصرفات تحدث باسم الإسلام وهي تنافي القيم الإنسانية تماما. فمن السخف والتنطع أن تفسد حفلا موسيقيا وتزعج الجمهور الذي جاء ليستمع إلى الموسيقى وأن تتوهم للحظة أنك ستقنع ملكة هولندا بالإسلام إذا قرأت عليها بضع آيات قرآنية. أما الواقعة الثانية فإن رفض مصافحة أي إنسان تصرف مهين ينم عن قلة الذوق واللامبالاة بمشاعر الآخرين وكرامتهم. لقد رفض الشاب مصافحة الوزيرة النرويجية منعا لإثارة شهوته وكأنه يعلن أنه مسكون برغبة جنسية همجية تجعله لا يفكر إلا في الجنس. أما الإمام السعودي الذي يؤكد أن المرأة لديها ربع عقل الرجل فهو نموذج للتفكير المتخلف الهمجي ولا نحتاج لأن نضرب له أمثلة كثيرة تفوقت فيها المرأة على الرجال، كذلك أستاذة الفقه التي تنصح الفتاة المسلمة بترقيع غشاء البكارة فهي تحضها على أن تبدأ حياتها الزوجية بالغش وخداع زوجها لتقنعه بعذريتها.
إن تصرفات هؤلاء المسلمين تتناقض مع الحس السليم والقيم الإنسانية لكنهم يؤمنون أنها تتفق مع الدين ولاشك أن لديهم نصوصا دينية يبررون بها تصرفاتهم المرفوضة من الناحية الإنسانية.. كل ذلك يدفعنا للسؤال: هل يمكن للدين أن يتعارض مع الإنسانية..؟ إن الدين الحقيقي دعوة للإنسانية وبالتالي عندما نجد تعارضا بين تعاليم الدين ومبادئ الإنسانية يتحتم علينا أن نراجع فهمنا للدين لأننا قطعا قد أخطأنا فهمه. إن الأديان جميعا ناضلت في البداية دفاعا عن الحق والعدل والحرية لكن مع مرور الوقت يتحول الدين إلى مؤسسة تمتلك سلطة تتحكم في مصير المؤمنين بهذا الدين ويظل أصحاب هذه السلطة الدينية يدافعون عنها باستماتة لأنها تمنحهم نفوذا بالغا وتدر عليهم أموالا وفيرة ويكفي أن نقارن بين صحابة الرسول عليهم صلى الله وعليه وسلم الذين كانوا جميعا يعملون ليكسبوا عيشهم وبين الدعاة الإسلاميين المعاصرين الذين يعيشون كالملوك من ثروات ضخمة كونوها من الدعوة للدين. لقد قال المفكر الكبير عبد الرحمن بدوى مرة:
“عندما تتحول الدعوة إلى الدين إلى مهنة تدر أرباحا فاعلم أن صاحبها دجال”.. إن علاقتنا بالدين (وليس الدين نفسه) من أسباب تأخرنا نحن العرب والمسلمين. الدين الحقيقي يحض على كل ما هو جميل وعادل في الحياة لكن الطبعة الوهابية من الإسلام تمنعنا من التقدم وتحضنا على الاحساس بالتفوق على غير المسلمين وتحتقر المرأة وتجعلنا قابلين للاستبداد لأنها تأمرنا بطاعة الحاكم المسلم حتى لو كان فاسدا وظالما.
إن المذهب الوهابي الذي انتشر بأموال النفط في أنحاء العالم لم ينتج إلا أفكارا رجعية وأوهاما وكراهية وتطرفا يؤدى إلى العنف. إذا أردنا أن نلحق بركب الأمم المتقدمة علينا أولا أن نفصل الدين تماما عن الدولة بحيث يكون الدين شأنا شخصيا للمواطن لا يرتب حقوقا سياسية من أي نوع، وثانيا يجب علينا أن نتخلص مرة واحدة إلى الأبد من أوهام الإسلام السياسي فالإسلام لم يقدم أي نموذج للحكم والحكم الرشيد في التاريخ الإسلامي لم يدم سوى 32 عاما (30 عاما للخلفاء الراشدين وعامين لعمر بن عبد العزيز).
صحيح أن المسلمين قد أبدعوا في ظل الدولة الإسلامية في كل المجالات ولكن من الناحية السياسية لم تكن الدولة الإسلامية خلافة، وإنما إمبراطورية قامت مثل كل الإمبراطوريات على الصراع المسلح والقتل والدسائس والمذابح المروعة ويكفي أن نقرأ عن المذابح التي ارتكبها أبو العباس السفاح مؤسس الدولة العباسية الذي لم يكتف بقتل آلاف الأمويين لكنه كثيرا ما أمر بنبش قبورهم واستخراج جثثهم وحرقها. أضف إلى ذلك أن الدولة العثمانية كانت احتلالا استعماريا ولم تكن خلافة ويكفي أن نقرأ كتاب “بدائع الزهور في وقائع الدهور” للمؤرخ المصري محمد بن اياس لندرك الفظائع التي ارتكبها الجنود العثمانيون حتى أنهم قتلوا عشرة آلاف مصري في القاهرة في يوم واحد. عندما نتخلص من أوهام الخلافة وسلطة رجال الدين ولا نقبل من الدين إلا ما يتوافق مع قيم الإنسانية. عندئذ فقط تبدأ النهضة..